إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 أبريل 2012

الموروث الخرائطي الفرنسي و السيناريوهات الممكنة لشمال افريقيا


بقلم :بودريس درهمان
 المتنفذون في الجمهورية الجزائرية يكرهون بشكل كبير الجمهورية الفرنسية، و السؤال المطروح هل يكرهونها فقط لأنها تمثل بالنسبة إليهم المستعمر القديم الذي لا زال يذكرهم بالجراح القديمة، أم يكرهونها لشيء آخر غير معروف؟؟
 الجزائريون المتنفذون الذين يكرهون الجمهورية الفرنسية هم  اليعاقبة الجزائريون Les jacobins؛ و منذ سنة 2010 ارتفعت حدة كراهية هؤلاء اليعاقبة للجمهورية الفرنسية، لأن هذه الأخيرة تحت التأثير  القوي للسياسة الأوروأطلسية  لم تعد  يعقوبية و لا حتى ديكولية كما كانت من قبل.
اليعاقبة الجزائريون يكرهون الجمهورية الفرنسية  لأنها حاضنة الحقائق التاريخية و الجغرافية لكل المنطقة التي كانت تستعمرها و تستبيح ثرواتها؛ و هذه الحقيقة التاريخية و الجغرافية يمكن أن يطلع عليها المتتبع في الوثائق التاريخية و الجغرافية التي يتم رفع السرية عنها و التي يتم تقديمها للعموم.
الفرنسيون و معهم حتى الدول النافذة في مجلس الأمن هم المتحكمون في تفاصيل الحقائق التاريخية و الجغرافية، و هؤلاء و أن كانوا يقرون بقانونية الحدود الموروثة عن الاستعمار الأوروبي، فإنهم يعملون جاهدين لتجاوز كل مخلفات هذه الحدود الغير عادلة و الغير منصفة للتاريخ و للمستقبل، ولتحقيق مبتغاهم هذا يعملون على جعل مجال العلاقات الدولية الحالية متطابق مع طبيعة  التحولات التقنية و المعرفية  التي تخص التكتلات البشرية الحالية.  
في كل مرة يتم فيها الكشف عن  الوثائق و المستندات تكون هذه الوثائق و المستندات في صالح الدول التاريخية؛ و بهذه الطريقة يمكن القول بأنه ليست الجغرافية هي من يصنع  التاريخ بل العكس التاريخ هو من يصنع الجغرافية؛ و بهذه الطريقة يمكن القول بأن الجذر يون الصور يون المتمسكون بأدوات العقل المجرد فقط والذين بواسطته يقومون بتقسيم الأمم و الشعوب سيصابون بالذهول حينما سيكتشفون بأنه حتى هذه الأدوات الصورية التي يستندون عليها يفندها التاريخ بالوثائق و المستندات.
آخر هذه الوثائق و المستندات التي أفصح عنها الفرنسيون تعود بالضبط إلى سنة2010 و هذه الوثائق و المستندات تخص التراب الجزائري و هذه الوثائق  و المستندات تتحدد في الأرشيف الجغرافي العلمي  الذي يتكون من 5640 صفحة الكترونية. قام بالتقديم لهذا الأرشيف الوثائقي الجغرافي الهائل الجنرال الفرنسي جيل روبير GILLES ROBERT رئيس القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي.
هذا الأرشيف الوثائقي الجغرافي يؤرخ للتراب المغاربي منذ سنة  1770 حينما التحق مجموعة من المهندسين الجغرافيين بما يسمى في الحوليات التاريخية الفرنسية ب"المخزون الحربي" و الذي يعتبره الفرنسيون حاليا الأب الروحي لـ"القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي". هذا القسم التاريخي للدفاع الوطني الفرنسي انفصل سنة 1885 عن القسم الجغرافي؛ و سنة 1940 تحول القسم الجغرافي إلى "المعهد الجغرافي الوطني"...
 نصيب التراب الجزائري من هذا الموروث الجغرافي وافر جدا إذ بلغ عدد 1819 خريطة جغرافية مضاف إليها حوالي 600 ورقة خرائطية... هذا الموروث الخرائطي العلمي يوضح  حدود و طبيعة التراب الجزائري ويفسر بشكل جلي سبب كراهية اليعاقبة الجزائريون للفرنسيين  و للاوروأطلسيين  بالخصوص الذين هم وراء الفصح عن هذا الموروث الخرائطي.
المكونات الاثنية و الطائفية التي يكشف عنها هذا الموروث الخرائطي توضح بشكل جلي حقيقة هذه المنطقة التي لا يمكن تنميطها وفق الأقانيم الإيديولوجية اليعقوبية لأواخر القرن التاسع عشر و منتصف  القرن العشرون.
هذا الموروث العلمي الخرائطي المرفوق بأرشيف خرائطي متعدد  يتحدث عن دول شمال إفريقيا و يستعمل مصطلح "المملكة الجزائرية" حينما يتحدث عن الجزائر و يستعمل مصطلح "الإمبراطورية المغربية" حينما يتحدث عن المملكة المغربية و حينما نتمعن جيدا في تاريخ المنطقة نجد بأن الحقيقة التاريخية كانت كذلك، حيث كانت المملكة المغربية  دائما و منذ عهد المماليك  الأمازيغ  إمبراطورية متحركة و الجمهورية الجزائرية كانت دائما عبارة على شبه مملكة ثابتة.
أولى الخرائط التي تخص الحدود المغربية الجزائرية تعود إلى سنة 1841 و بعد هذا التاريخ توالت الخرائط التي تخص هذه الحدود بمعدل خريطة كل سنة أو خريطة لكل أزمة تاريخية تخص العلاقة بين البلدين. آخر خريطة تخص هذه الحدود هي الخريطة التي ظهرت سنة 1908 و المسجلة تحت رقم T.20.6.B.255 
تؤرخ هذه الخرائط:
1. للشبكات الجهوية التواصلية كشبكات التواصل عبر السكك الحديدية و شبكات التواصل عبر التلغراف و التليفون
2. كما تؤرخ كذلك هذه الخرائط للمعرفة الجيولوجية للمنطقة
3. بالإضافة إلى الخرائط الأركيولوجية (الصفحة 115 من الأرشيف)
هذه هي الحصيلة الخرائطية للموروث الخرائطي  الفرنسي  الذي يخص الحدود المغربية الجزائرية ليبقى السؤال  حول الفلسفة السياسية المؤطرة لرفع السرية عن هذا الكم الهائل من الخرائط؟
بعض السيناريوهات الأوروبية المنتشرة بشكل كبير لدى صناع القرارات السياسية ترى بأن المناطق التاريخية للمماليك المغاربية التي انتزعها  منها الاستعمار الأوروبي وورثها(بتشديد الراء) لجمهوريات إيديولوجية لم تستطع مواكبة قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان، من الممكن لهذه المناطق التاريخية أن تعود إلى هذه المماليك التاريخية؛ و يقصدون بالمماليك التاريخية: المملكة الليبية القديمة، المملكة الجزائرية القديمة  و المملكة المغربية الحالية. هذه السيناريوهات الممكنة و الجد منتشرة لدى صناع السياسات الأوروبية بالخصوص تعتمد على منطق ما يسمى "الاندماج الحضاري" ترى هذه السيناريوهات، بأن المناطق التاريخية لشعب الطوارق الموزعة بين شمال دولة مالي و شمال دولة النيجر بالإضافة إلى  جنوب دولة الجزائر من الضروري أن تكون تحت السيادة الجزائرية. نفس الشيء يجب أن يحصل لشمال دولة التشاد حيث يجب جعل هذه المنطقة تحت السيادة الليبية؛  أصحاب هذا السيناريو  يرون بأنه يجب على الجمهورية المصرية استرجاع شمال السودان و المملكة المغربية استرجاع أراضيها التاريخية التي تمتد إلى حدود دولة السنيغال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق