و بعد نشر هذا المقال
أوقفت “الكواليس” عن الصدور لاسيما وان ردودا صحفية صدرت عن نخبة من
المنطقة تستنكر وتستغرب أن تأتي هذه الكبوة من صحيفة يديرها صحفي مقتدر ،
والأدهى والأمر أن يصدر هذا الزعم الباطل عن شخص يحمل لقب ” العلوي ” ،
فهذه القبيلة التي لطخت سمعتها ” الكواليس ” هي التي ساهمت في مقدم أول
علوي إلى المغرب ، فضريح مولاي الحسن الشريف ( الحسن الداخل ) يحتضن في
مدخله قبر “مناع” مرافقه من الينبع إلى تافيلالت ، وتشير المعطيات
التاريخية إلى أن العلويين وقبيلة دوي منيع قدموا جميعا من الينبع ، فمصطفى
العلوي حين يشكك في مغربية ووطنية دوي منيع قد يشكك في جزء من تاريخه
المشترك مع هذه القبيلة .
وفي أواخر شهر يوليوز
2012نشرت جريدة ” الأسبوع الصحفي ” التي يديرها الأستاذ مصطفى العلوي مقالا
آخر تحت عنوان : ” القبيلة الجزائرية النائمة في فكيك .. ماذا تنتظر؟ ”
يتهم فيه ” لعمور ” إحدى قبائل الصحراء الشرقية التي وجدت نفسها كقبيلة دوي
منيع وأولاد جرير – بعد الاستقلال – مشتتة وموزعة بين المغرب والجزائر ،
يتهمها بالانفصال والخيانة وخدمة أجندات معادية ….
إن المرء حين يقرأ مقالات ”
الأسبوع الصحفي ” وقبلها ” الكواليس “يحق له أن يسائل الراي العام والدولة
المغربية بكل أجهزتها ومخابراتها هذه الأسئلة الملحة :
-1- من يتهم من ؟ ومن يكون السائل ومن يكون المسؤول في قضية الصحراء الشرقية؟
في سنة 1957 وفد على قبائل
الصحراء الشرقية ببلدة ” أمفيس “شرق الريصاني ، وفد مغربي رسمي رفيع ،
وأخبر الناس بأن بيعتهم في أعناقهم للملك والعرش و أن الدولة المغربية ترى
ضرورة تأسيس إدارة لسكان الصحراء الشرقية تحت اسم : ” قيادة دوي منيع ”
لإدارة أحوال السكان في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات مع فرنسا لاسترجاع
المناطق التي لم تحرر سنة 1956 ، لكن المسار أخذ اتجاها آخر ، فالمغرب
ارتأى تأجيل موضوع هذه الأراضي إلى أن تنال الجزائر استقلالها ، ولما تم
ذلك الكل يعرف ما آلت إليه أحوال الحدود والصحراء الشرقية .
يحق أن نسائل الجميع : ألا
تعد هذه المقالات وهذه الاتهامات ظلما مريرا وتشويها للحقائق وقلبا
للمسؤوليات ، فعوض أن يطالب السكان الدولة بالتزاماتها تجاههم نرى أن بعض
النخب وبعض المسؤولين يجنحون أحيانا إلى تحريك برك كان الأولى أن تظل بعيدة
عن الصراع السياسي والتوظيف الإعلامي .
صحيح أن أحداثا وقعت ، ففي
السنين السابقة حدث أن نزحت بعض الأسر من قبيلة “لعمور ” نحو موطنها
الأصلي : “العين الصفراء ” بسبب الأوضاع الاجتماعية القاسية ورأينا أن
الإعلام الوطني انكب على الظاهرة و أولاها اهتماما خاصا وكأنه يترصد
المواطنين لتسجيل بعض الهفوات ، لكن هذا الإعلام لم يحرك ساكنا في سنة 2007
، فعقب أحداث ما يعرف بانقطاع التيار الكهربائي بمدينة “بشار” اتهم
الامنيون الجزائريون السكان بولائهم لملك المغرب عبر شعارات رفعوها و
كتابات حائطية خطوها فأعتقل منهم أزيد من 105 شخصا وأطلق سراحهم فور وصول
جنيرال جزائري إلى بشار .
3- إن هذه الاتهامات قد
تثير نقاشا مشروعا حول” الوطنية ” ففي ظل العولمة تعد الوطنية نسبية ، وفي
الحالة المغربية ونظرا لما آلت إليه أحوال” الرقعة الجغرافية “للبلاد بعد
الاستعمار ، فإن الوطنية لا ترتبط بحدود مسطرة ولا باجتياز لها من قبل
جماعة مضطرة ، فحين تقر قبائل خلف أسلاك ” حدود موروثة عن الاستعمار ” ،
بالبيعة ، يصير للبيعة طابع استثنائي ويظهر للعيان كم كان البعض ” غير
واقعي ولا ملم بالتاريخ وملابساته” حين دعا إلى إعادة النظر فيها وفي
طقوسها ، أن هذه البيعة بالنسبة لقبائل كثيرة مشتتة في أقطار مختلفة هي
المرادف للوطنية !
إن من يرى في البيعة انحناء
وطقوسا مذلة يكون كمن تخفي عنه الشجرة الغابة ، فالبيعة تراث ثقافي
وتاريخي وحضاري ساهم في انصهار قبائل واثنيات متعددة ، فالمغرب بالمفهوم
السياسي ما كان له أن يعانق المغرب التاريخي في انسجام تام لولا البيعة ،
فالمغرب التاريخي على الرغم من جنسياته المتنوعة –اليوم – يتماهى وينسجم مع
المغرب السياسي الموروث على الاستعمار بفضل البيعة ، فالبيعة إثبات لحقوق
حاول الاستعمار ويسعى المستفيدون منه إلى طمس معالمها .
-4- إن الرأي العام يجب أن
يكون على بينة من تواجد أجزاء هامة من قبائل تنحدر من الصحراء الشرقية
بالمغرب وتحديدا بالرشيدية وفجيج ، فجزء من النخبة المغربية يعلم أن المغرب
بالمفهوم التاريخي كان يضم جزءا من الجزائر اليوم وموريطانيا ، وان سكان
هذه المناطق ظلت مرتبطة بمناطق أخرى من مغرب اليوم ، فقبيلة دوي منيع على
سبيل المثال تنحدر من منطقة بشار ( أو كير) لكن ظلت تتحرك بين بشار
تافيلالت … لكن بعد 1962حدث شرخ في التاريخ والجغرافية وفي الذاكرة أيضا ،
فلأول مرة تنتصب الحدود لتشتت قبائل بين دولتين وجنسيتين وتوجهين
اديولوجيين ، وتشاء صدف التاريخ الماكرة والسياسة الفاجرة أن يتم هنا وهناك
التشكيك في وطنية السكان : هنا يتهمون بخدام أجندات غير”وطنية ” وهناك
ينعتون بكونهم ملكين ومغاربة .
-5- وإذا كان رئيس جماعة
“عبو لكحل “ ببوعرفة ، باعتبار الجماعة تمثل قبيلة لعمور قد رفع دعوة
قضائية ضد جريدة ” الأسبوع الصحفي ” فإن سكان الصحراء الشرقية يترقبون
الحكم ومآل القضية لأنه سيكون مناسبة لاستشراف الموقف الرسمي ، ففي القضايا
المصيرية كهذه ستكون للحكم إشارات وقراءات في السطور وما بين السطور !
إن الحكم قد يفصح عن الموقف
الرسمي من ” إرث ” سكان الصحراء الشرقية المقيمين بالمغرب ، فالسكان حين
قبلوا سنة 1956 بأمفيس ” البقاء في التراب الوطني المحرر سنة 1956 كان ذلك
وفق اتفاق ووعد من قبل وفد رسمي أهم ما كان فيه استعادة تراب الصحراء
الشرقية إلى الوطن ، لكن لحدود الساعة لم يتم استرداد هذه المناطق ، بل أن
اتفاقية إفران المبرمة يبن المغرب والجزائر سنة 1972 سطرت الحدود وفق
الموروث الاستعماري الشيء الذي يقتضي من الدولة المغربية التي يستقر على
ترابها جزء من قبائل الصحراء الشرقية والدولة الجزائرية المستفيدة من الأرض
وجزء من السكان أن يعيدا فتح المفاوضات حول قضايا السكان لتدشين مقاربة
أخرى تليق بإنسان الألفية الثالثة . ربيع الاصفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق