إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

قبائل الصحراء الشرقية ضحية النزاع المفتعل حول الصحراء "الغربية"ذوي منيع نموذجا.



 إن الهدف من وراء نشر هذه النظرة التاريخية لنزاع الصحراء الشرقية ليس هو نبش الماضي، أو تفجير الألغام التي خلفها الاستعمار، ، ولكن القصد من ورائه ، هو إظهار الحقيقة من خلال محاولة تسليط الضوء على جزء من تاريخنا المغمور و الذي أريد له النسيان تنويرا للرأي العام المغربي المتتبع لهذا الأمر حول صلب الخلاف المغربي الجزائري في هذا الشأن و الذي نتج عنه فتح جبهة الصحراء المغربية من طرف الجزائر و تكوين جمهورية صحراوية وهمية على ارض اغتصبتها طبقا لنظرية و إستراتيجية الالتفاف الاستعماري
La théorie et la stratégie du contournement. فالنزاع نزاعين و الخصم واحد هي الجزائر، فالمغرب فضل السكوت إلى حين عن المطالبة باسترجاع صحرائه الشرقية وفضل تجنب الحرب مع الجزائر التي قد تأتي على الأخضر واليابس في المنطقة، و لنا في حرب الثماني سنوات بين العراق و إيران التي لم تحقق شيئا خير مثال على ذلك.
إن نزاع الصحراء المغربية الغربية له علاقة مباشرة و عضوية مع نزاع الصحراء الشرقية المغربية، وهذا النزاع المفتعل، ليس غريبا عن مخلفات الحرب البارة البائدة و الذي جاء كمثال يحتدى غذى تمرد الطوارق
Les hommes bleus في الصحراء الكبرى المسماة بدول الساحل : خاصة في النيجر، التشاد و مالي، غير بعيد عن التمرد في دارفور غرب السودان، وبعبارة أخرى فالمنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، المسماة بالصحراء الكبرى هي منطقة يطبعها التمرد و الانفصال بسبب ابتكار الجزائر لهده التقليعة الجزائرية (Made in Algéria ) التي جأت بأطروحة شعب وهمي و جمهورية وهمية ما فتئت تبدد من اجلها أموال الشعب الجزائر المغلوب عل أمره . وهذا الوضع أصبح يغذيه الإرهاب الدولي المنسوب إلى التطرف الديني الذي زرعته القاعدة في الجزائر و أنابت عنها في ذلك "الجماعة السلفية للدعوة و الجهاد الجزائرية  (G.S.P.C.A ) " التي تطلق على نفسها الآن " القاعدة بالمغرب الإسلامي "
وحتى نفهم جانبا آخرا من الصراع المغربي الجزائري، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962، لنرى كيف أنبطنها منتفخ غير طبيعي و ممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت و انتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي كان متواجدا في منطقة شمال إفريقيا منذ سنة 1830 بالتحديد.
فهذه الأراضي و هذه القبائل هي عبارة عن ألغام موقوتة خلفها المعمر الفرنسي كي تنفجر تباعا متى شاء ووقت ما أراد سواء في شرق أو غرب أو جنوب الصحراء الكبرى، فالحدود المغربية الجزائرية عرفت في الماضي عدة مراحل في ترسيمها و تحديدها، فالجزائر حتى تضمن تماسكها الداخلي، حاولت مرارا و تكرارا افتعال مشاكل أخرى جانبية و ثانوية للمغرب بجعلها العصا في عجلته والحجر في حدائه كما أراد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين  (جدد الله عليه وعلى من اتبعه العذاب ) للتغطية على المشكل الأساس ألا وهو مشكل الصحراء الشرقية المنطقة الممتدة من ولاية بشار أو ما يعرف بولاية الساورة إلى عين صالح والهكار بأقصى الجنوب الجزائري.
ولا يخفى على الجميع أن الجزائريين يخافون من أن يسترجع المغرب صحراءه الغربية و يتفرغ بعد دالك لصحرائه الشرقية، التي هي الأخرى تعتبر دائما امتدادا تاريخيا و طبيعيا للمملكة المغربية، ففرنسا التي استعمرت الجزائر منذ 1830 أنشأت نظام الحماية فيما بعد على المملكة المغربية سنة 1912 بعد انتصارها على المغاربة في معركة ايسلي (
Isly ) بضواحي مدينة وجدة  ( 04/08/ 1844 ) التي كان محورها، مؤازرة المغاربة للأمير عبد القادر الجزائري الذي كان متابعا من السلطات الفرنسية أنداك، فنتائج الحرب كانت كارثية على وحدة المغرب و مناسبة لفرنسا المنتصرة اتخاذ إجراءات عسكرية و أحادية لتغيير معالم الحدود المغربية بدعوى محاربة التهريب و القضاء على التمرد المنطلق من الأراضي المغربية الذي كاد ينتشر في غرب مقاطعة الجزائر الفرنسية بإيعاز من ساكنة الحدود الغربية لها.
وهكذا اقتطعت من المغرب مدن و قرى بأكملها كتلمسان- و كورارة- و تيد يكلت -و كلوم و بشار- و ادرار- و تندوف إضافة إلى منطقة توات بكاملها التي كانت تابعة آنذاك للمغرب و التي تعتبر في جميع المخطوطات التاريخية و الانثروبولوجية امتدادا جغرافيا و سياسيا و قبليا لمنطقة تافيلالت المغربية. وقد تناولها العديد من المؤرخين العرب كالإدريسي و حسن الوزان : ( (  (
Léon l’Africain وابن خلدون والزياني، كما تكلمت عنها الصحافية الفرنسية التي عاشت في موريتانيا ما بين 1919 إلى 1962 أوديت بيكودو  ( Odette du Puigaudeau ) ، حيث اعتبرت المنطقة ولايات مغربية، بدليل أن السكان كانوا يؤدون الضرائب باسم السلطان لفائدة الخزينة المخزنية، وان صلاة الجمعة و الأحكام القضائية تنطق باسم جلالته و يصومون مع المغاربة آمنين مؤمنين بإمارة المؤمنين.
وللعلم ففي كل الدول، الضريبة تدفع إلى السلطة الحاكمة للإقليم الموجود تحت سيادتها الشرعية و القانونية، فالفرنسيون في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة من فجيج في الجنوب الشرقي للمملكة إلى عين صالح، أي كامل حدود الصحراء الشرقية، كما كان الشأن في اتفاقية للامغنية التي رسمت حدود البلدين من السعيدية إلى فجيج فقط، تاركين وضع هذه الحدود المغربية الجزائرية غامضا و ذلك لغرض في نفسهم.
ففي رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير 1886 عن الوزير الفرنسي للخارجية  ( دوكليرك
Duklerc إلى زميله وزير الداخلية ارمان فاليير Armand Fallières تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية و المغرب المستقل آنذاك أي ما كان يسمى بالإمبراطورية الشريفة، قائلا:" إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية "  ( النزاع الليبي- الجزائري- التونسي حول المياه الجوفية للصحراء لازال قائما و لازالت اللجنة الثلاثية متعثرة في إيجاد حل متفق عليه بين البلدان الثلاثة )" . إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازين مزدوجين ، الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران، والثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب و ليبيا و تونس و دول الساحل، فالمعطيات الجغرافية لمنطقة توات مثلا تؤكد أنها محددة في الشمال من تديمايت و موازية لوادي الساورةSaoura، فهي منطقة تتكون من العديد من الواحات و القصور ( قرى صغيرة )، أهمها واحة اتوات وواحة تيد يكلت، وواحة كورارة وواحة عين صالح وقصر تيميمون وواحة المطارفة، وواحة انتيمي، وواحة بندا، وواحة عين الغار. إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كلم طولا، حيث تخترقها العديد من الأودية القادمة من المغرب كوادي كير ووادي زوزفانة. فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغدي منطقة الساورة بأكملها.
لهذا السبب فكر سكان اتوات و الساورة ومنذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها ، مما مكنهم من البقاء و التحضر وزرع أراضي قاحلة. و كما جاء في التاريخ فان القبائل المغربية الأصل و التي أهمها
، قبائل ذوي منيع، لعمور، لغنانمة، ازغامرة، اولاد جرير، اشعامبة، عاشت من خلال الزراعة وتربية المواشي. هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية بالمياه الجوفية و المعادن المختلفة، كالفحم الحجري في القنادسة و الصفاية و كسيكسو و الغزاريف. أما المنغنيز و الرصاص فهما موجودان في جبل كطارة، و الحديد فنجده في غار الجبيلات بضواحي تندوف.اضافة الى ما تزخر به من نفط وغاز- مصدر ثروة الريع الذي يقيم الجزائر حاليا ولم يقعدها ويجعلها تركب جناح الغرورفي مواجهة المغرب.
إن هذه الواحات تكون في الوقت الحاضر منطقة الساورة و عاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف، فالأرشيفان  (
les 2 archives )العثماني و الفرنسي، المنشوران مؤخرا في اسطنبول ( 52 مليون وثيقة التي لو أمكن ترتيبها و نشرها بسطا الواحدة بعد الأخرى لكونت مسافة 16 كلم ) يؤكدان أن السيطرة التركية لم تصل بتاتا إلى هاته الواحات بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الديات و الاغاوات  ( -Caids-Pachas-Gouverneurs-et Walis او ما يعرف عندنا بالمغرب ,les BeyDey- les Agha )المتمركزين في مدن شمال الجزائر. كل الصحراء الشرقية الواقعة الآن تحت السيطرة الجزائرية كانت تحت الحماية و السيادة المغربية، فالمخزن المغربي  ( الإدارة المغربية ) حسب الوثائق العثمانية، كان حاضرا وبقوة في المنطقة منذ الإمبراطورية الادريسية، أما سكانها فهم في أغلبيتهم منحدرون من قبائل بني معقل و بني هلال و الزناتيين والطوارق، وأولاد اشبل، وهذه الأخيرة هي فرع من قبيلة أولاد ادليم، القبيلة الصحراوية المغربية. وقد نجحت هذه القبائل و التجارة و في تربية المواشي، فكانت قوافلهم تتبضع في تلمسان ووهران وفاس و مراكش ; وسجلماسة و تومبوكتو في مالي . أما منتجاتهم الأساسية فكانت الثمور و القمح و الصوف والغنم و الزرابي و الجلود، فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية المغربية كما حددت معالمها أعلاه، ولم يتوفق نظرا لاختلال ميزان القوى و خيانة البعض التي تكون قد سجلت آنذاك.
أما إذا عدنا إلى الأسس و الروابط التاريخية بين الإمبراطوريات المغربية المختلفة و القنادسة و اتوات و الساورة وكل قبائل المنطقة، فإننا نعثر على العديد من العلاقات بين هذه المنطقة و المغرب و ذلك منذ ملوك البربر. فالوثائق القديمة تتحدث عن واحة اتوات كمركز تابع لموريتانيا ( مصطلح قديم كان يعني المغرب، بما فيه الجمهورية الإسلامية الموريطانيةا حاليا )، ولم تكن لها بتاتا أي علاقة مع نوميديا -مملكة البربر قديما (
Numidie-الجزائر حاليا ). فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري حوالي 1750 م بإنشاء العديد من القصور، أهمها قصر أولاد اوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن، أما المرابطون و الموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم و ثقافتهم و اقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي، حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهذه الإمبراطوريات نحو السودان ( السودان الغربي و سودان النيل الأزرق حاليا ) و إفريقيا السوداء. أما المرينيون فقد أتوا بنظام إداري و اقتصادي محكم، نظم المنطقة ودعم روابطها بين مدن فاس و مراكش وسجلماسة كمراكز موجودة في المغرب. أما احمد المنصور السعدي، ملك الإمبراطورية السعدية، فقد عين سنة 1590 الحاج جدور باشا على تومبوكتو وقواد على اتوات و القنادسة. (مكتبة زاوية كرزاز تشهد بدلك رغم طمس السلطات الجزائرية لكثير من الظهائر السلطانية بهدا الخصوص ).
أما الإمبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي الجزائر سنة 1830 في المرحلة الأولى، و في سنة 1903 حين احتل الصحراء المغربية الشرقية بكاملها كمرحلة ثانية. وفي هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا و جوهريا، فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدايا في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس، كما أسست بالصحراء الشرقية الزاوية البكرية نسبة لمؤسسها المغربي محمد البكري ( 1618 ) كما أقامت الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف و بني ونيف وكرزاز. فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا و سياسيا مهما و استراتيجيا في الصحراء الشرقية خاصة منها زاوية كرزاز وزاوية لقنادسة سواء في نشر تعاليم الإسلام في إفريقيا السوداء أو في الدفاع عن المنطقة ضد الدخلاء و الصليبيبن. كما كانت مدن و مدارس تارودانت و مراكش و فاس وتافيلالت في المغرب هي قبلة التلاميذ القادمين من الصحراء المغربية الشرقية و حتى من إفريقيا السوداء. للإشارة فان ازدهار حقبة الزوايا كان في عهد السلطان المولى إسماعيل الذي سن تمويلها من بيت مال دار المخزن.بدليل ان الدولة المغربية صارت إلى الآن ترث كل زاوية اندثرت او آفل نجمها. (الزاوية القندوسية خير دليل في هدا الشأن فيما تعلق بالعقار الدى كان لها بالجنوب الشرقي للمملكة والدي وزعت الدولة المغربية جانبا منه على بعض سكان المنطقة.
ولاستحضار التاريخ الدبلوماسي للصحراء الشرقية، يؤكد المؤرخون أن مرحلة حكم العثمانيين للجزائر لم تهتم بالصحراء بصفة عامة، نظرا لانشغالهم بالحروب المتعددة التي كانت مجبرة على خوضها مع القراصنة في البحر الأبيض المتوسط،. تاركة للإمبراطورية العلوية الشريفة تدبير شؤون الصحراء الكبرى، سواء الشرقية منها أو الغربية ، و التي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية، و هذا ما تبث في الوثائق المفرج عنها مؤخرا في اسطنبول بتركيا و التي لم تستغل لحد الآن من طرف الدبلوماسية المغربية كأدلة واضحة عن روابط البيعة بين سلاطين المغرب و القبائل في الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية  ( لإقناع الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولندا.بتبعية ساكنة هده الصحاري للمملكة المغربية ).
أما بعد واقعة ايسلي غشت 1844، فيمكن الإشارة إلى أن الجنرال الفرنسي دولمورسيار
Général de la Mourcière في الحرب الأولى الفرنسية المغربية رفع شعار " لا سلم على حدودنا الغربية قبل القضاء على المغرب ككيان و كدولة مستقلة " ، فهذه الحرب المشار إليها أنتجت كل عناصر الأزمة الحالية المغربية الجزائرية، فلقد أظهرت المواجهات آنذاك اختلالا كبيرا في ميزان القوى بين المغرب الذي كان موزعا بين قبائل السيبة و قبائل المخزن و فرنسا، حتى سميت تلك الحرب بالغوغاء، حرب مكنت فرنسا بقطع كل طرق التواصل بين الدولة المغربية- التي أصبحت هدفا لأطماع ألمانيا و فرنسا و اسبانيا و البرتغال- و أقاليمها في الصحراء الشرقية، وضع نتج عنه ضعف في العاصمة الرباط و فوضى عارمة في القبائل البعيدة، مشجعة من طرف الاستعمار الفرنسي بسبب غياب رموز الدولة المغربية ( القواد و الباشاوات و الإدارة المخزنية بصفة عامة )، و بما أن الشر لا يأتي وحده، فالمنطقة عرفت جفافا متواصلا لمدة طويلة ولسنوات متوالية مصحوبة بمرض الطاعون. كل هذه الأسباب المختلفة جعلت العديد من سكان الصحراء الشرقية، يلجئون بالآلاف إلى المدن المغربية على الساحل الأطلسي أو مراكش، أو يموتون بسبب المرض أو التهجير القسري إلى مستعمرات أخرى فرنسية ككلدونيا الجديدة  (la nouvelle calidonie ) و كويانا  (Guyane ) بالمحيط الهادي بمحاذاة أمريكا اللاتينية، فالفرنسيون المنتصرون في واقعة ايسلي سنة 1844 سطروا حدود المغرب و مقاطعة الجزائر الفرنسية على مقاسهم وبشكل أحادي  (  (unilatéralement، يناسب مصالحهم الاستعمارية التي كانت تقوم على أبدية الجزائر الفرنسية، تاركين المنطقة الممتدة بين فجيج و عين صالح بدون ترسيم. إن ضعف الجيش المغربي و تفككه جعلا فرنسا تمتد وتتوسع نحو الشرق و الجنوب الشرقي للصحراء، تمدد لم يكن من السهل عسكريا على فرنسا، فلقد قامت حروب كبيرة مع القبائل في مدينة عين صالح، التي كان يتزعمها القائد الحاج المقري، الذي استشهد هو و أولاده في هذه المواجهات الدموية.
فسقطت الساورة، ثم اتوات وبعدها تيميمون، أما مدينة تندوف فلم يلحقها به الاستعمار الفرنسي الا في سنة 1952.. رغم المقاومة الهشة التي أبداها القائد "السنهوري" ومن معه من قبائل الصحراء المغربية الغربية، حيث وجدها الجيش الفرنسي شبه فارغة من سكانها، الذين نزحوا إلى المغرب الذي تم بسط الحماية عليه هو الآخر سنة 1912 كما هو معلوم .
فمطالب المغرب للصحراء الشرقية بدأت سنة 1953، و بصفة متكررة، فهي لم تأت من فراغ ولا بنية الهيمنة و إضعاف الجزائر المستقلة. فكانت المنطقة تشهد مظاهرات شعبية في كل من تندوف -و العبادلة -وكولومب بشار- وبني ونيف - والقنادسة- وتيميمون - وادرار- و عين صالح- وركان، وذلك برفع الأعلام المغربية و صور السلطان محمد الخامس و ترديد شعارات مؤيدة للمملكة المغربية، منادين بالعودة و الانضمام إلى المغرب البلد الأم، في المرحلة الممتدة من بداية استقلال المغرب إلى سنة 1962 تاريخ استقلال الجزائر. سكت المغرب عن مطالبه الترابية المتجسدة في صحرائه الشرقية، حتى لا يربك و يشوش على الجزائريين في حربهم التحرير ية،. كموقف تضامني منه للثورة الجزائرية دفع بالعديد من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية (
F.L.N ) إلى المطالبة بالسلطان محمد الخامس رحمه الله كملك واحد لمنطقة المغرب العربي بأكملها  ( تصريح المرحوم فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية GPRA ).
وهكذا تقرر تأجيل المطالبة بالصحراء الشرقية إلى ما بعد استقلال الجزائر، كما رفض محمد الخامس بصفته كملك للمملكة المغربية أي مباحثات في الموضوع مع الرئيس الفرنسي ديغول
De Gaules الذي كان يفاوض سرا و علانية الحكومة المؤقتة الجزائرية حول التنازلات المتبادلة بين الطرفين قبل إعلان الاستقلال، وحتى الإعلان عن الاستفتاء. إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن كما يقال، فمباشرة بعد استقلالها سنة 1962، قامت الدولة الجزائرية بضم الصحراء الشرقية التي انتزعت من المغرب، متنكرة للجميل وخارقة بذلك عهودها و التزاماتها المتضمنة في اتفاقية 6 يوليوز 1961. هذا التنكر للماضي تبعه طمس كل الرموز التي تؤكد مغربية المنطقة من طرف الجيش الجزائري، كما قتل العديد من سكان الصحراء الشرقية المطالبين بمغربيتهم في المواجهات التي عرفتها المنطقة مع فصائل من جيش التحرير الجزائري بسبب رفضهم المشاركة في استفتاء تقرير مصير الجزائر المنظم من طرف فرنسا يوم 19 مارس 1962. الأمر الذي دفع بالعديد من رقيبات الشرق في تندوف و جزء كبير من ساكنة مدن بشار، العبادلة، القنادسة  ( دوي منيع-أولاد جرير-لعمور-أهل القنادسة- و أهل زاوية سيدي امحمد بن بوزيان- وبعض قصور واد الساورة  ) الي الهروب من ديارهم والالتحاق بالجزء المحرر من الوطن المغرب. مع العلم ان الجناح السياسي لجبهة التحرير الجزائرية كان ينشط انطلاقا من مواقعه في المغرب ( فجيج -بوعرفة-وجدة-الناضور-مكناس-القنيطرة-قصرا لسوق بتافيلالت ) ولم يشفع له كرم الضيافة بحيث كان يخطط وينفد اغتيالات همت مع الأسف نشطاء شباب مغاربة من قبائل لعمور-دوي منيع-بني كيل-و اولاد جرير-اولاد سيدي عبد الحاكم في كل من وجدة-بوعرفة -فجيج-بوعنان-عين الشواطر وبوذنيب لأنهم كانوا يمشون بهمم عالية في الاتجاه المعاكس لسياسة الجزائريين بخصوص مستقبل الصحراء المغربية الشرقية وينادون جهرا بمغربيتها.مؤازرين في دلك من قيادات جيش التحرير المغربي (بوشعيب-عباس-ومصطفى البيضاوي ) الدي كان متواجدا هو الاخر على طول شريط الحدود مع الجزائر الفرنسية. (كان هدا يحدث في وقت كانت فيه السلطات المغربية عاجزة عن ردع الجزائريين بصفتهم "ضيوف المغرب ؟؟ "
أما وضع تندوف حاليا، فهي خليط من قبائل الركيبات وقبائل اشعانبة وقبائل تجكنت و الجزائريين الذين استقدموا من الشمال للاستيطان بكثافة في الواحات الفلاحية الغنية بالمياه الجوفية، كما قامت
الجزائر بتهجير عائلات بأكملها من الصحراء الشرقية إلى شمال الجزائر و خاصة تلك المعروفة بمغربيتها وزعامتها القبلية كقبيلة ذوي منيع و لعمور... كما أدخلت شباب هذه القبائل قسرا في صفوف الجيش الوطني الشعبي الجزائري  ( ليشكلوا أغلبية جيش "النينجا" المؤسس من طرف الجنرال محمد العماري.. و في ما سمي بالدفاع الذاتي ودلك للتصدي لمد التطرف الديني بعد إقصاء جبهة الاتقاد الإسلامية سنة 1992 )، وتعيينهم في وحدات بعيدة عن مناطقهم، قاطعين بذلك كل علاقة لهم مع أصولهم و عائلاتهم القاطنة بكل تراب الصحراء المغربية الشرقية.
أما تفاصيل تطور الخلاف بين المغرب و الجزائر في موضوع الصحراء الشرقية، فلقد تم الاتفاق حوله جزئيا بموجب اتفاقية افران لسنة1969 بين المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني و الرئيس الجزائري هواري بومدين. اتفاق أبقى كل الاحتمالات واردة من تندوف إلى عين صالح. وبهذه المناسبة استبشر الناس في المغرب كما في الجزائر خيرا بهذا الاتفاق الذي اشترط فيه المغرب مصادقة البرلمان المغربي على جميع بنوده ليكون ساري المفعول، والتي ترسم الحدود بصفة نهائية بين البلدين ، إضافة إلى الشراكة الاقتصادية لاستغلال المناجم الموجودة بينهما، الشيء الذي لم يحدث حتي الآن، و السبب يرجع إلى كون الجزائر فتحت جبهة أخرى بموضوع آخر ضد المغرب تتجسد في مشكل الصحراء المغربية الغربية قصد إلهائه لفترة قد تطول طوال الزمن فاقت لحد الآن ثلاثة عقود  (33 سنة بالضبط )، و الواقع أن شمال إفريقيا يعرف نزاعات متداخلة و مترابطة:
نزاع الصحراء الشرقية الذي ابتدأ جزئيا بحرب الرمال لسنة 1963  ( خدعة جر إليها الجيش المغربي لخدمة أهداف أخرى ) ولا زال ساكنا في العقول و الأفئدة و الملف بقي مفتوحا إلى الآن.
- نزاع الصحراء المغربية الغربية الذي انطلق في سنة 1975 تاريخ استرجاع المغرب للإقليم
- النزاع الليبي الجزائري حول ترسيم الحدود.
- الخلاف التونسي الجزائري حول نفس الموضوع.
- تمرد الطوارق في شمال مالي و النيجر و تشاد و دارفور في السودان، كلها نزاعات مترابطة و متشابهة.
في هذا السياق، لا ننسى نضالات سكان الصحراء الشرقية على المستوى الدولي، فلقد طرحوا مشكلاتهم أمام السلطات المغربية قبل استقلال الجزائر وبعده، وقد أحدثت لهم الدولة المغربية قيادة إدارية ترعى شؤونهم، لازالت قائمة إلى الآن ( قيادة دوي منيع بعين الشواطر بإقليم فجيج ) إلى حين تسوية الوضع مع الجزائر. كما تقدمت باسمهم جمعية مغربية "نسبت نفسها للمنطقة" بطلب عودة الصحراء الشرقية إلى الوطن الأم إلى محكمة العدل الدولية التي رفضت المطلب من ناحية الشكل وقالت إن الدول وحدها هي التي تطلب رأيا استشاريا من المحكمة و ليس الجمعيات أو الجماعات أو القبائل، كما راسلت هذه الجمعية منظمة الأمم المتحدة عدة مرات دون جدوى..وأشهرت شعارا حول المطالبة بمقاضاة فرنسا التي ورثت الجزائر الصحراء المغربية الشرقية،.. و القضية لازالت تتحرك على رمال ساخنة، فالنخلة التي تخفي الواحة لا يمكنها حجب الخلاف الجزائري المغربي حول الصحراء الشرقية التي هي محور الصراع الجزائري المزمن مع المغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق