إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

خبايا ترسيم الحدود المـــغـربية الجزائرية



في الصورة امبارك الوزري أحد قادة  جيش التحرير بقبائل ذوي منيع و أولاد  جرير.
قد يكون من الحكمة نسيان الماضي والتوجه إلى المستقبل، لكن لا يمكن غض الطرف عن حقيقة تطاول الجزائر على جزء كبير من الصحراء المغربية على الحدود الشرقية والجنوبية، ماشجع، سنوات بعد ذلك، شرذمة من الانفصاليين على تفجير نزاع مفتعل مازال مستمرا إلى اليوم. 
  نادية البوكيلي
 
لحسن حظ المغرب أن رجالا ممن شاركوا في اللجنة الوطنية للحدود المغربية، التي تأسست في عهد الملك الراحل محمد الخامس، مازالوا على قيد الحياة، يشهدون على موضوع ضرب عليه جدار من الصمت أزيد من 30 سنة، كما أن الوقائع التاريخية بدورها شاهدة على ما حدث وستشهد على المستقبل القريب والبعيد، بالقدر الذي لا يمكن لأي متتبع للنزاع القائم حول الصحراء المغربية أن يمر على هذا الموضوع دون أن يطرح موقع الجزائر في كل التطورات التي يعرفها الملف. 
فوصول النزاع حول الصحراء إلى هيأة الأمم المتحدة، ليس السبيل الوحيد لملء بياضات عمرت لفترة تزيد عن ثلاثة عقود. والتحدي الحالي يكمن في معرفة كيف وقع "السطو" على الأراضي المغربية سواء في الغرب أو في الشرق أو حتى في الشمال. 
أوفقير على الخط 
بشهادة مشرفين على ملف الحدود المغربية الجزائرية، فإن أوفقير، الذي شغل منصب وزير الداخلية ثم أصبح بعد انقلاب الصخيرات سنة 1971 بأسبوع فقط وزيرا للدفاع، لعب دورا مشؤوما في الاتفاق الذي وقع يوم 15 يونيو 1972 الخاص بالحدود بين البلدين الجارين. 
اتفاق وقع في ظرف زمني حساس تميز بتعرض المغرب لمحاولتي انقلاب، الأولى يوم عاشر يوليوز 1971 وهو الانقلاب الذي استهدف قصر الصخيرات، فارق إثره الحياة أزيد من مائة شخصية بارزة وعادية كانت موجودة في القصر نفسه. وانقلاب ثان وقع يوم 16 غشت 1972 لكن هذه المرة جوا بعد محاولة الهجوم على الطائرة الملكية.
في تلك المرحلة، كانت يد أوفقير طويلة في الاتفاق الموقع بين المغرب والجزائر حول الحدود بين البلدين عام 1972. ولم يكن آنذاك أعضاء الوفد المغربي يفهمون سر حرص أوفقير على تتبع مسار الاتفاق من ألفه إلى يائه وكانت بعض مواقفه تثير استغرابا كبيرا من قبل المذكورين. لكن الواضح أن أوفقير كان يسعى جاهدا إلى إرضاء مطامح الجيران ربما لأنه كان يراهن على دعم الجزائريين له في "المحاولة الانقلابية" التي كان بصددها في سرية تامة. والغريب أيضا أن أوفقير أبرم "الصفقة" مع الجزائر بالشروط التي رآها مناسبة لأهدافه وتخدم مصالحه، علما أنه كان على بعد أربعة أشهر فقط من انقلاب من خلال محاولة الهجوم على طائرة بوينغ الملكية.
فكانت الخلاصة أنه وقع مع الجزائريين اتفاقا على مقاسه الخاص وأعطاهم حق التصرف في التراب الوطني أو كما قال متتبع للملف "أوفقير باع واشترى أراضي المغرب باسم المغرب"، ومن ثم بدأ يعرف اتفاق 1972 بـ"الاتفاق المشؤوم" لأنه سمح للجزائريين بالتصرف في مناطق من الصحراء الشرقية المغربية من واحات وأدغال وهي مناطق لها قصة طويلة أيام فرض الحماية الفرنسية على المغرب عام 1912.    
     
مخطط فرنسا الكبير 
ككل دولة استعمارية، أخفت فرنسا مطامحها في منطقة المغرب العربي التي أحكمت حولها قبضتها عقودا طويلة. 
حط الاستعمار الفرنسي رحاله في الجزائر ثم في المغرب، وكان مهندسو السياسة الاستعمارية آنذاك واعين كل الوعي أن المنطقة حبلى بالثروات الطبيعية والبشرية، فكان لابد من تخطيط استراتيجي يقوم على تقسيم الأراضي ووضعها في خانة "الممتلكات الخاصة" تتصرف فيها فرنسا وقتما شاءت وكيفما شاءت. 
التوغل الاستعماري جعل فرنسا تتعامل مع المنطقة على أنها جزء لا يتجزأ من ترابها الأصلي الموجود في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، والأدهى والأمر أنها سمحت لنفسها بأن تخضع أراضي مغربية صحراوية محاذية للجزائر إلى سيادة هذا البلد، ففي قرارة نفسها، من حقها التصرف في أراضي البلد الذي تستعمره دون قيد أو شرط. 
وتحدث عارفون بهذا الملف عن وقوع "بتر في الأراضي المغربية" وإلحاقها بالأراضي الجزائرية التي كانت هي الأخرى تعتبرها فرنسا جزءا من أراضيها. والهدف الأخير إحكام فرنسا قبضتها على منطقة المغرب العربي وتسهيل عملية الغزو في مختلف المجالات والميادين بدون مقاومة أو عراقيل. 
يقول مصدر إن "التراب المغربي تعرض أثناء مرحلة الحماية المغربية الفرنسية للتجزئة والتفتيت، كما اقتطعت منه أراض شاسعة على حدوده الشرقية والجنوبية، ووجدت الجزائر نفسها مالكة لها بعد الاستقلال مع علمها أنها سلبت من الأراضي المغربية".
وفور حصول المغرب على الاستقلال، وبسرعة فائقة، رجعت الإدارة إلى المغاربة وتمكن كل من عينهم الملك الراحل محمد الخامس من الجلوس على كراسي مسؤولين فرنسيين سابقين، تمت العملية في وقت قياسي ومذهل وكانت التعليمات الملكية واضحة في هذا المضمار "لابد من استرجاع الإدارة ووضع اليد على الملفات التي تركت فوق مكاتب الفرنسيين". وتحكي مصادر أن اللحظة لم تكن سهلة بالنسبة إلى الفرنسيين، هناك من ذرف دموع الفراق وهناك من سارع إلى جمع صوره الخاصة وصور أفراد عائلته التي كان يزين بها مكتبه في الإدارة المغربية.. المهم أن كل هذا وقع في عجالة تحسبا للطوارئ.
كانت الأولوية بالنسبة إلى الراحل محمد الخامس "مغربة الإدارة" والتخلص من آثار الحماية.
 إلى جانب هذا، وجد المغرب نفسه، أيضا، أمام تحد كبير مرتبط بموضوع استرجاع أراضيه التي سلبت منه من قبل الفرنسيين الذين ضموها إلى الأراضي الجزائرية وأورثوها لهذا البلد دون وجه حق. ومن هنا بدأت المواجهة.
تحدي إقامة المغرب العربي 
المؤكد أن حلم إقامة وحدة مغاربية راود المسؤولين المغاربة. بدأت اللقاءات على مستويات عليا، لكن اتضح أن الأمر ربما سيحتاج إلى "بعض التنازلات" خصوصا في ما يتعلق ب"أجزاء من التراب الوطني". ورغم أن المغرب تمكن في وقت وجيز، مقارنة مع البلدان المغاربية الأخرى، من أن يتخلص من الاستعمار ويسترجع إدارته من أصدقاء ليوطي ووضع المفاتيح في يد مغاربة وإخلاء أغلب المكاتب من الفرنسيين، إلا أن هذا لم يمنعه من تقديم الدعم والمساندة للبلد الجار الجزائر الذي كان لا يزال يعاني ويلات الاستعمار والحرب ضد فرنسا، إذ شارك مغاربة عديدون في "حرب التحرير" وانضموا إلى صفوف المقاومة الجزائرية وأشهروا السلاح في وجه المستعمر الذي تخلصوا منه للتو. فمن المغاربة من فقد رجله ومنهم من بترت يده، بل منهم من قدم حياته فداء للإخوة الأشقاء.
وما وقع مع الجزائر، يقول مصدر واكب الملف منذ بدايته، أن المغرب غلّب حلم إقامة الاتحاد المغاربي وكان أشد حرصا على هذا الموضوع مقارنة مع باقي الدول المجاورة إلى درجة أنه كان على استعداد لتجاوز كل ما من شأنه أن يعيق المشروع في المنطقة، غير أنه، للأسف، مازال هذا الحلم لم يتحقق بسبب استمرار الخلاف بين البلدين الجارين بخصوص أراض، تعلم الجزائر جيدا ويعلم رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان في تلك المرحلة وزيرا للشؤون الخارجية، أنها ملك للمغرب وأنها أدرجت في خانة الأراضي الجزائرية بسبب "تكتيك استعماري" اعتمدته فرنسا وهي الآن تختار موقف المتفرج في ما يقع من صراع بين البلدين، وفي المقابل هي مطالبة بأن تبرئ ذمتها أمام التاريخ.  
معزوزي ...محافظ حقيبة الحدود المغربية
> أينما حل وارتحل، كان محمد معزوزي، مقرر اللجنة الوطنية للحدود المغربية والمكلف بالأمور التاريخية، يحمل في يده حقيبة الأوراق الخاصة بالصحراء، لا يتركها إلا إذا رجع إلى مقر وزارة الداخلية فيودع مفتاحها لدى موظف خاص. 
رجل جمع بين الإدارة، متقلدا مناصب في وزارة الداخلية ثم الوزارة الأولى، وبين الكتابة. يتذكر معزوزي أن الراحل الحسن الثاني كان دائما يسأله كيف يتمكن من التوفيق بين الاثنين.
وفي المقابل، كان الملك الراحل دائما يشجعه على التأليف، بل إنه أمره أكثر من مرة ألا يترك ملف الحدود، فلن ينسى معزوزي وصية الراحل الحسن الثاني له عندما قال "أينما كنت سواء في الوظيفة أو خارجها، عليك أن تبقى دائما مهتما بقضية حدود بلادك".
استطاع معزوزي، عامل سابق ومدير الشؤون العامة في الداخلية ومستشار الشؤون القروية في الوزارة نفسها، أن يؤلف أربعة كتب كلها تتحدث عن الحدود المغربية وتحكي عن مسار طويل للمغرب مع هذا الموضوع. 
في كتبه الأربعة، وجد معزوزي نفسه مضطرا لإدراج العديد من الصور التاريخية والخرائط لأهم المناطق الصحراوية سواء في الشرق أو في الجنوب أو في الشمال.  
ورغم انشغالاته الوظيفية، إلا أن شغف إطلاع الرأي العام على ما وقع خلال سنوات مضت كان فوق كل اعتبار بالنسبة إلى معزوزي، الذي فقد ابنه وفيق في أحداث انقلاب الصخيرات في يوليوز 1971. منذ هذا الحادث الأليم، نزع معزوزي عنه الزي الرسمي الذي كان يرتديه أيام كان عاملا في مدينة أكادير وقبلها في مدن أخرى، وتفرغ لموضوع الحدود المغربية.  
كتب معزوزي أن اقتطاعا وقع في الأراضي المغربية بسبب اتفاقية وقعت بين المغرب والجزائر يوم 15 يونيو 1972، وهو الاتفاق الذي وقعه من الجانب المغربي محمد طيبي بنهيمة، وزير الشؤون الخارجية، آنذاك، وعن الجانب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي كان على رأس الخارجية الجزائرية
أعضاء لجنة الحدود المغربية


قبل نهاية الستينات، أقدم الملك الراحل محمد الخامس على تعيين لجنة وطنية للحدود المغربية تتكون من 11 عضوا. 
لجنة انكبت على موضوع الحدود وأعدت ملفا متكاملا قصد عرضه على الجزائريين، وكان آخر اجتماع عقدته اللجنة المشتركة بين البلدين منتصف يناير 1976. وتتكون اللجنة المغربية من:
- محمد الشرقاوي، وزير الشؤون الخارجية ورئيس اللجنة.
- عبد الكبير فاسي، سفير في الاتحاد السفياتي (سابقا) 
- محمد سعداني، سفير مدير مكلف بإفريقيا 
- عبد الوهاب بن منصور، مؤرخ 
- أحمد السنوسي، سفير 
- محمد معزوزي، عامل مدير الشؤون العامة في وزارة الداخلية
- العربي فاهسي، كاتب عام في وزارة موريتانيا والشؤون الصحراوية
- الخطابي، مدير الديوان الملكي
- فتحي نجار، مدير ديوان وزارة الشؤون الخارجية 
- حليمة ورزازي، عضو ديوان وزارة الشؤون الخارجية 
- محمد تازي، مستشار في وزارة الشؤون الخارجية